قوة الإرادة هي
"القدرة التي تمكنك من فعل ما هو غير محبب للنفس لتحقيق مصلحة أو هدف"
قوة الإرادة عندك هي قدرتك علي إجبار نفسك علي عمل شيء لا تحب عمله.. مثل إجبار نفسك علي المذاكرة أو العمل علي شيء صعب أو ممل.. أو قدرتك علي منع نفسك من عمل شيء تود عمله مثل أن تمنع نفسك من أكلة تحبها لأنها غير صحية لك, أو تمنع نفسك من قضاء الوقت في التسلية واللعب مثلا.
مهم جدا نقطة أن الفعل يكون غير محبب أو ضد رغبتك.. لأن لو كان الفعل المطلوب محبب لك.. فلن تحتاج لقوة إرادة لعمله!
بعض الكتب تستخدم مصطلح "تهذيب النفس" Self Discipline أو "التحكم في النفس" Self Control كبديل لمصطلح قوة الإرادة, لكن في النهاية المعني المقصود واحد .
اختبار المارشميلو هو تجربة مشهورة تمت في الستينات.
في التجربة أحضروا مجموعة من الأطفال في سن 4سنوات تقريبا.. كان أحد القائمين علي التجربة يدخل مع الطفل غرفة بها كرسي وطاولة فقط.ز الطاولة عليها طبق فيه قطعة مارشميلو أو أي حلوي مفضلة عند الطفل..
الشخص الذي يدخل مع الولد الغرفة يقول له أن بإمكانه أكل قطعة الحلوي إن شاء في أي وقت.. لكن إن صبر حتي يرجع هذا الشخص دون أن يأكل الحلوي سيأخذ قطعة إضافية! الشخص يرجع خلال ربع ساعة تقريبا.
بعض الأطفال نجح في مقاومة الإغراء وانتظر الوقت المطلوب والبعض لم يستطع يصبر وأكل قطعة الحلوي..
المهم في التجربة أن القائمين عليها ظلوا متابعين لهؤلاء الأطفال لمدة 30 سنة تقريبا يراقبون أدائهم من وقتما كانوا في المدرسة وبعد التخرج وفي العمل والحياة عموما.. والنتيجة؟
الأطفال الذين تمكنوا من الانتظار ليحصلوا علي قطعة إضافية, أدائهم في الدراسة والعمل ومستوي الصحة والحياة بشكل عام كان افضل بشكل ملحوظ من الأطفال الذين لم يستطيعوا الصبر!
وهذه النتيجة منطقية إلي حد كبير..
من لديه قوة إرادة أكثر يمكنه الصبر علي تعب الاجتهاد وإغراء الملهيات في سبيل الوصول لنتيجة أفضل.. علي عكس من يضعف دائما أمام رغباته اللحظية ويتجاهل النتائج المستقبلية.
الحقيقة هناك أبحاث كثيرة غير هذه التجربة وجدوا فيها أن قوة الإرادة مؤشر أدق علي النجاح من مستوي الذكاء!
حاول للحظة أن تتخيل كيف سيكون شكل حياتك لو أصبحت الشخص الذي يمكنه عمل الأفعال الصحيحة والمفيدة حتي لو كانت صعبة علي نفسه ؟!
ستلتزم بالطاعات أكتر.. ستلعب رياضة.. ستتعلم مهارات جديدة بشكل مستمر, ستقرأ أكثر, ستأكل صحي حتي لو غير لذيذ, وهكذا..
تخيل نتيجة كل هذا عليك في الدنيا والآخرة..
هذا هو الهدف الذي نريد الوصول إليه
طبعا الموضوع لن يكون سهل وستواجهنا فيه عقبات وتحديات.. وهذا هو ما سنتكلم عنه في الأفكار القادمة..
بعض المشاعر خاصة الغضب والفرح والحماس قد تعطيك زيادة كبيرة في قوة الإرادة لكن عادة مؤقتة تمكنك من عمل أمور صعب عليك عملها في العادي, كما أن الحزن يؤثر بشكل سلبي علي قوة الإرادة ويجعلك غير قادر علي عمل أمور كنت تفعلها في العادي بدون صعوبة..
جدير بالذكر هنا قول بن القيم:
"الخزن يضعف القلب.. ويوهن العزم.. ويضر الإرادة.. ولا شيء أحب إلي الشيطان من حزن المؤمن"
قوة الإرادة تشبه العضلة.. في الواقع كثير من الكتب تستخدم مصطلح "عضلة قوة الإرادة" Willpower Muscle
أي عضلة في الجسم تنهك وتتعب كلما استخدمتها أكثر في وقت قصير.. بمعني أن قوتها لا تظل ثابتة مع الاستخدام المستمر خلال اليوم.. وستحتاج قدر من الراحة لتستعيد العضلة قوتها مرة ثانية!
بشكل عام أي شيء غير محبب للنفس وتجبر نفسك عليه يستهلك جزء من مخزون قوة الإرادة.. ويتعب عضلة قوة الإرادة عندك, لكن دعونا نتكلم عن أهم الأشياء التي تستهلك قوة الإرادة وهي:
أنت خلال اليوم تأخذ مئات القرارات.. معظمها بسيط وتافه لكن عددها كبير!.. من أول أن تستيقظ من النوم وتصارع نفسك لتقوم فورا ولا تنام 10 دقائق زيادة؟!.. ماذا ستلبس للعمل؟!.. ماذا ستفطر؟!.. هذا طبعا غير القرارات التي تأخذها في العمل أو الدراسة وهكذا..
ولذلك هناك ما يسمي "إرهاق القرارات" Decision Fatigue ويشير للإرهاق الذهني الذي يشعر به الإنسان عندما يأخذ قرارات كثيرة.
مثل كتم مشاعر الغضب مثلا.. أو عدم الاعتراض علي شيء لا يعجبك.. مثل كلام المدير مثلا.. أو أن تبتسم في وجه شخص لا تطيقه.. او مثل العفو عن أخطاء الغير بدل من رغبة النفس في الغضب أو الانتقام.
مقاومة التعبير عن المشاعر أو الآراء الشخصية يستهلك قدر من قوة إرادتك لأنه شيء ضد رغبات نفسك.
تعتبر من الأمور التي تستهلك قوة الإرادة بشكل كبير.
مثل ممارسة الرياضة أو القراءة اليومية يحتاج في أوله لقدر غير قليل من قوة الإرادة لتنجح فيه.
وهي من الأمور الجسدية مثل ألم الجوع مثلا.. حيث لا ينصحون بأخذ قرار مهم وأنت جائع لأنك قد تميل للخيار الأسهل حتي لو لم يكن هو الخيار الأفضل..
حيث أثبتت التجارب أن الجوع مرتبط بشكل مباشر بنقص نسبة الجلوكوز في الجسم الذي يؤثر علي قوة الإراردة.
وهو عامل جسدي ايضا, حيث أن فترة النوم هي التي تستريح فيها عضلة قوة الإرادة عندك وتستعيد قوتها بعد إنهاك اليوم.. فلو لم تنم جيدا لن تستعيد كامل قوتها.
بالإضافة إلي أن قلة النوم تؤثر بشدة علي المخ وأي شيء يؤثر علي نشاط وتركيز المخ يؤثر علي قوة الإرادة بالتبعية.. لأننا قلنا أن قوة الإرادة هي قدرة ذهنية في الأساس.
حيث تعتبر من أهم أسباب ضعف قوة الإرادة لإنها ترتبط أيضا بالقدرة الذهنية.
مهم جدا أن نعمل علي زيادة قدر قوة الإرادة.. ومهم أيضا وربما أهم أن نحسن استخدام القدر الذي لدينا بالفعل!
قلة النوم والجوع يؤثران بشكل سلبي علي قوة إرادتك ويجعلانك تتجنب العمل علي أي شيء صعب محتاج تركيز أو طاقة مهما كان مهم!
بالنسبة للأكل.. محتاج تفطر إفطار جيد, وغير مقصود بإفطار جيد إفطار كبير! الجودة أهم من الكم.
بالنسبة للنوم.. محتاج تنام عدد ساعات كافي من 7:8 ساعات عند معظم الناس.
في الواقع تأثير قلة النوم علي المخ مشابه إلي حد كبير بتأثير شرب الكحوليات!
لا تتوقع من أحد في هذه الحالة أن يكون لديه القدرة علي إجبار نفسه علي عمل صعب أو غير محبب للنفس.. قد يفعل أمور لا يحبها لكن بدافع الخوف مثلا من خصم المرتب أو تعنيف المدير لكن ليس باختياره.. لن يلعب رياضة مثلا ليحافظ علي صحته أو يقرأ من كتاب مفيد او يعمل علي تطوير مهارة هامة دون ان تكون مفروضة عليه وبالتالي من تطوير ذاته.
مستوي قوة الإرادة يستهلك ويقل علي مدار اليوم, وبالتالي من الحكمة أن تعمل علي المهام المهمة أو أي شيء يحتاج قوة إرادة مبكرا في بدابة اليوم.
آخر اليوم مستوي قوة الإرادة يكون في ادني مستوياته, معظم من يكسرون نظام الغذاء الصحي عادة ما يكسرونه ليلا.. حين يكونون في أضعف حالاتهم ولا يقدرون علي مقاومة رغبتهم في أكل شيء يحبونه!
هذا يفسر أيضا لماذا فكرة الذهاب لصالة الألعاب الرياضية آخر اليوم بعد العمل غالبا ما تفشل عند معظم الناس!
نحن نحتاج قدر كبير من قوة الإرادة في بداية بناء أي عادة جديدة مفيدة أو في التخلص من عادة قديمة مضرة.
لكن الجميل في العادة.. أنها بمجرد ما أن تترسخ عندك لا تحتاج قوة إرادة لتستمر في فعلها.. وبالتالي من الحكمة أن تستثمر قوة الإرادة في بناء عادات إيجابية مفيدة لأنك بهذا ستقدة علي عمل الأمور المفيدة بدون استهلاك قوة الإرادة وتقدر علي توجيه مخزون قوة الإرادة عندك لأمور أخري.. هذا يعتبر من حسن إدارة قوة الإرادة.
لكن في الواقع العادات مفيدة في زيادة قوة الإرادة أيضا, حيث أن التدريب علي فعل شيء غير محبب للنفس بشكل دوري يزيد قوة الإرادة, مثلما رفع الأوزان في صالة الألعاب يتعب عضلات الجسم مؤقتا لكنه يقويها علي المدي البعيد.. كذلك بناء العادات.
طبعا لا ينصح أن تحاول اكتساب أكثر من عادة في نفس الوقت لأن هذا سيستنزف قوة إرادتك بشدة في البداية ويجعلك غير قادر علي الاستمرار فتفشل في بناء العادة, الاستثناء هنا فقط في حالة كانت العادات التي تحاول اكتسابها تساعد بعضها البعض.
سبب رئيسي من أسباب ستيف جوبز كان يلبس نفس الزي البسيط يوميا هو لأنه لا يريد إهدار أي وقت أو طاقة في انتقاء ملابس اليوم!.. واحد مثله عنده قرارات كثيرة مهمة فليس من الحكمة استهلاك طاقته في قرارات تافهة! وكثير من الناجحين المشهورين يقلدونه..
ليس بالضرورة أن يكون زي موحد.. لكن المهم أن تبسط الخيارات بحيث لا تستهلك منك أي تفكير أو طاقة ذهنية بدون داع!
عندنا سؤال "ماذا نأكل اليوم؟" يضيع كثير من وقتنا وتفكيرنا يوميا!
اللبس والكل مجرد أمثلة ليس إلا.. لكن هناك أمور كثيرة تستهلك مننا وقت وتفكير بدون داع.. للذلك تبسيط الحياة وتقليل الخيارات سيساعدنا نحافظ علي مخزون قوة الإرادة لكي نستغله في القرارات والأمور الهامة فعلا التي قد تحدث فرق في حياتنا.
وقد تحدثنا عن هذا من قبل بالتفصيل في المينماليزم Minimalism فن تبسيط الحياه (الجزء الاول)
و المينماليزم Minimalism فن تبسيط الحياه (الجزء الثانى)
التبسيط مطلوب في كل شيء..
في فرش البيت.. في الاهتمامات.. بل وفي العلاقات الإنسانية!
ولقد تحدثنا من قبل في هذا الموضوع بالتفصيل في تلخيص كتاب صناعة بيئة النجاح ( الجزء الأول ) و تلخيص كتاب صناعة بيئة النجاح ( الجزء الثاني ).
معروف أن شركة جوجل توفر لموظفيها أماكن مفتوحة للطعام يكون فيها حلويات وتسالي لكي تفرح الموظفين, جوجل تحاول في فترة تقليل استهلاك الموظفين للحلوي غير الصحية مثل M&MS فكل مافعلوه أنهم وضعوا الحلويات غير الصحية في علب مصمتة غير شفافة, في حين وضعوا التسالي الصحية مثل الفواكة المجففة في علب وأطباق زجاجية شكلها جميل وبارز.
تخيل أن هذا التغيير البسيط قلل استهلاك الحلوي غير الصحية بنسبة كبيرة جدا بالفعل!
طبعا هذه قصة واحدة من عشرات القصص والتجارب الحقيقية التي توضح كيف أن تغيير بسيط جدا في البيئة يؤثر علي سلوك الأشخاص داخلها بشكل كبير, يمكننا استغلال هذا لمساعدتنا علي فعل سلوك حميد أو الامتناع عن سلوك مضر بدلا من الاعتماد علي قوة الإرادة وحدها.
يقال أن:
"البيئة المحيطة هي اليد الخفية التي تشكل السلوك الإنساني"
ربما بعضكم سمع قصة القائد الأسباني كورتيز الذي بعدما وصل لشواطيء المكسيك بجنوده, حرق السفن اللي أوصلتهم حتي يضع جنوده أمام خيار واحد فقط وهو التقدم للأمام ولا يفكروا أبدا في الرجوع والإنسحاب!
بغض النظر عن دقة القصة وواقعيتها.. المستفاد منها أن بإمكانك إلزام نفسك مسبقا بأمر ما عن طريق تصعيب الانسحاب منه.
علي سبيل المثال..
من يشترون طلبات البيت من المحال التجارية الكبري مثل كافور وبنده.. كثير منهم تواجهه مشكلة أنه يشتري أشياء لا يحتاجها وينفق أكثر من اللازم..
طبعا هذا لا يحدث مصادفة!.. إدارة المتجر تدرك جيدا موضوع التغيير في البيئة الذي تكلمنا عنه, ويعرضون بضاعتهم في أماكن وبأشكال وترتيب معين يغريك للشراء أكثر من حاجتك أو لشراء أشياء غير ضرورية.
الحل..
أن تذهب للمتجر ولا يوجد في جيبك غير مبلغ محدد يكفي الحاجات التي تريد شراءها فقط.. ويفضل طبعا أن تحضر قائمة بالأشياء التي تحتاجها مقدما.. ولا تأخذ معك بطاقة الائتمان..
الفوضي والزحمة تسبب ضغط عصبي علي مخك وتشتته.. مثلما قلنا أي شيء يؤثر علي مخك وتركيزك سيؤثر بالتبعية علي قوة إرادتك..
لذلك حاول دائما أن ترتب المكان الذي تعمل فيه.. لأن هذا سيسهل الأمور ويقلل الضغط علي مخك, وبالتالي سيؤثر بشكل إيجابي علي قوة إرادتك.
الألعاب..
المخ يحب الألعاب.. ويتحمس أكثر لبذل الجهد فيها!.. يمكننا أن نستفيد من الألعاب في إنجاز بعض الأعمال التي تحتاج قوة إرادة.. خاصة الأعمال المملة!.. بأن نحول العمل المطلوب إلي لعبة!
لو عندك عمل معين ممل لكنه غير صعب ولا يحتاج تفكير كثير يمكن أن تتحدي نفسك بأن تنجز قدر معين من العمل في وقت قصير.. كأنك في سباق مع الزمن.. أن تغير تفكيرك من ملل العمل نفسه لإثارة فكرة الفوز قبل نفاذ الوقت بإنجاز القدر المطلوب من العمل.. وهكذا.
أنت بهذا تقلل من مدي كراهية نفسك للعمل.. وبالتالي تحتاج لقدر أقل من قوة الإرادة لإنجازه.
كلنا نفشل من وقت لآخر في إنجاز عمل معين, لكن بعض الناس يعنف نفسه ويحمل نفسه فوق طاقتها من النقد السلبي إن فشل.. فكثير من الناس مع الوقت يرسخ في نفسه أنه شخصية فاشلة وكسولة بلا قوة إرادة ولا أمل من محاولة إصلاحها!
هؤلاء يدمرون قوة الإرادة داخلهم بأيديهم بدلا من العمل علي زيادتها!
لا تسمح لعدد مرات الفشل أن توقفك.. حلل ظروف فشلك كأنك تراقب شخص آخر غيرك!.. فكر فيما يمكن عمله لكي تحقق نتيجة أفضل في المحاولة القادمة.. جرب لو تقدر تغير في البيئة المحيطة مثلما قلنا بشكل يعوض نقاط ضعفك.
الحقيقة أن هذا التمرين مفيد جدا في أكثر من جانب وليس فقط في قوة الإرادة.
من الملاحظ بشدة في العصر الحالي أن معظمنا لم يعد يتنفس بعمق.. خصوصا مننا يقضون وقت كبير من يومهم مركزين في شاشة سواء كمبيوتر أو موبايل.. وهذا سبب لمشاكل كثيرة منها زيادة الضغط العصبي وارتفاع ضغط الدم.
في كتاب Willpower instinct الكاتبة تستفيض في شرح الأسباب العلمية التي تجعل تمرين التنفس البسيط هذا مفيد في دعم قوة الإرادة..
اسم الكتب: The Marshmallow Test - The Willpower Instinct - Willpower
تلخيص: علي محمد علي
By Raghda Elhamly
لمزيد من المعلومات عن كل ما يخص التنمية البشرية اضغط هنا
موضوعات ذات صلة:
.jpg)
.jpg)
.jpg)
Copy Right 2018
